بعد مسيرتين ضخمتين في جميع مدن البلاد ضد الولاية الخامسة لعبد العزيز بوتفليقة، غرقت التنظيمات الجماهيرية والعديد من الأحزاب السياسية في الانقسامات عقب العديد من الاستقالات التي أعلنها الفاعلون والشخصيات التي قررت الانضمام إلى “الشارع” على أمل تعزيز الاحتجاج ضد المحيط الرئاسي لبوتفليقة.
خلف هذه الانقسامات القوية والمفاجئة، يظهر اسم واحد فقط: اسم الجنرال توفيق. شبكات الرئيس السابق القوي للاستخبارات الجزائرية، الرجل الذي سيطر على الخدمات الاستخباراتية لمدة لا تقل عن 30 سنة، ضاعفت جهودها منذ نهاية شهر فبراير ضد حاشية الرئيس.
كل شيء بدأ مع التسريب المفاجئ للتسجيل الصوتي بين عبد المالك سلال، المدير السابق للحملة الانتخابية للرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، وعلي حداد، رئيس منتدى رؤساء المؤسسات، أهم ممولي حملة بوتفليقة. مصادرنا أكدت بالإجماع على أن صاحب التسريب هو رجل أعمال، على مقربة من الجنرال السابق توفيق، وقد نجح في وضع الزيت على النار من خلال الكشف عن هذا التسجيل عشية مسيرة 1 مارس.
الخطوة التالية في مخطط الجنرال توفيق، تمثلت في استغلال الغضب الشعبي من أجل خلق الشقاق في العديد من التنظيمات والمؤسسات. داخل منتدى رؤساء المؤسسات، برئاسة علي حداد، حصل الانشقاق، وأعلن العديد من رجال الأعمال المقربين من المسؤولين العسكريين السابقين في سنوات التسعينات، عن تأييدهم للاحتجاجات ضد الولاية الخامسة. علي حداد، بات أكثر من أي وقت مضى معزولا، في وقت يفقد فيه آل بوتفليقة أكثر سيطرتهم على أحد أقوى اتحادات أرباب العمل في كل إفريقيا.
الخطوة الثالثة في مخطط عشيرة الجنرال توفيق كانت شن هجوم كبير داخل جميع المنظمات الجماهيرية مثل الاتحاد العام للعمال الجزائريين، وهو النقابة التي دعمت نظام بوتفليقة لفترة طويلة. في غضون 48 ساعة، قامت العديد من الفروع المحلية، مثلما في منطقة الرويبة الصناعية، المنطقة الصناعية الرئيسية في البلاد، بالانشقاق معلنة عن دعمها أو مشاركة أعضائها في احتجاجات الشوارع ضد الولاية الخامسة. بعد الاتحاد العام للعمال الجزائريين، انخرطت النقابات المستقلة في قطاع التعليم والصحة في الحراك وأعلنت عن مشاركتها في مظاهرات الشوارع. شبكات الجنرال توفيق عملت أيضا على حشد الدعم ضد الولاية الخامسة في صفوف المنظمة الوطنية للمجاهدين، وفي العديد من جمعيات أطفال الشهداء، وبين المسؤولين السابقين في أجهزة الاستخبارات، وداخل جمعية قدماء وزارة التسليح والاتصالات، إذ أعلنوا جميعا عن مساندتهم للشارع ضد بوتفليقة.
من جانب آخر، العديد من المحامين المشهورين بقربهم التاريخي من الجنرال توفيق، قاموا بتحركات قوية للغاية من أجل تنظيم المسيرات في جميع أنحاء البلاد. شيئا فشيئا، نجحت شبكات الجنرال توفيق في تحقيق المخطط الهادف لخلق مناخ العصيان الوطني داخل الجزائر. البرلمانيون يستقيلون، وأحزاب مثل جبهة التحرير الوطني أو التجمع الوطني الديمقراطي تعيش على وقع الخلافات والتوتر، أما في الشوارع، فالخلايا النائمة لدائرة الاستعلام والأمن سابقا تنشط ببراعة في تنزيل المخطط. فجأة، تنظم جميع الاحتجاجات المتزامنة والمتناغمة بشكل مفاجئ للجميع بمن فيهم كبار المسؤولين في عشيرة الرئيس بوتفليقة.
