هروب “الجن” يكشف عن هشاشة نظام تبون-شنقريحة مُقوّض أصلا بالصراعات الداخلية في الجزائر

كشف الهروب السريع للجنرال عبد القادر حداد، الملقب بـ”ناصر الجن”، عن هشاشة سلطة مُقوّضة أصلا بالصراعات الداخلية في الجزائر. فقد اختفى المدير العام السابق للمديرية العامة للأمن الداخلي ذات النفوذ الواسع، فجر 18 شتنبر 2025، هاربا من رقابة أشد. وقد أثار هروبه، قبل استسلامه المزعوم، انتشارا أمنيا غير مسبوق منذ “العشرية السوداء”، جعل الجزائر العاصمة يومين من حالة حصار، عبر نشر حواجز طرق، ومباشرة تفتيش السيارات والشاحنات، وتحليق طائرات هليكوبتر…
لُقِب حداد بـ”الجن” لدوره الكبير في عمليات القمع الدموي خلال العشرية السوداء. لذلك، هو ليس هاربا عاديا. فقد كان مقرّبا من الرئيس عبد المجيد تبون حتى إقالته في ماي، كما أن مهامه في الجيش والأمن مكنته من الاطلاع على أسرار الدولة والأجهزة. اعتقاله المفاجئ أو استسلامه، حسب بعض الروايات، لم يُبدد القلق. فعلى وسائل التواصل الاجتماعي، ما تزال شائعات انقلاب محتمل تنتشر على الصفحات، فيما مقاطع الفيديو المُفبركة لهروبه في زورق كـ”مهاجر غير شرعي” تُؤجج الهلع وسط كبار المسؤولين وعامة الناس.
في غضون ذلك، دعا تبون إلى اجتماع طارئ لمجلس الأمن الأعلى، فيما لم تتأخر عمليات التطهير كانت سريعة، إذ أُقيل رئيس أمن الجيش وعدد من مسؤولي المخابرات. مما يدل على أن مطاردة الجن ليست حادثة بسيطة، إنها تكشف عن صراع فصائلي داخل نظام قد يكون فيه كل فشل قاتلا.
على مدى ست سنوات، حكم الرئيس تبون ورئيس الأركان سعيد شنقريحة بلدا بيد من حديد. لم تُعالج إعادة انتخاب رئيس الدولة عام 2024 التصدعات التي أحدثها الحراك، ولا الصراعات بين العشائر العسكرية والدوائر الرئاسية ومسؤولي المخابرات السابقين. تُعدّ قضية الجن دليلا قاطعا على ذلك، فحتى أقرب المقربين من القصر قادرون على تحدي السلطة، وكشفت عن نظام هش يُتفاوض فيه على الولاء والمناصب من خلال التهديدات وما تملكه الأسرار.
ففي الوقت الذي تسعى الجزائر إلى إبراز قوتها الإقليمية واستقرارها الاقتصادي، يُذكّر هذا الهروب المذهل بهشاشة سلطة مُغلقة، لكنها مُخترقة. ستظل الحواجز التي أُقيمت حول الرئاسة والهلع الأمني الذي خيّم على البلاد في شتنبر بمثابة تحذير. ففي ظلّ ثنائي تبون-شنقريحة، تبقى الدولة الجزائرية حصنا متصدعا وعُرضة لِصِدامات القابضين بالحكم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *