منذ تولي قيس سعيد رئاسة تونس في 23 أكتوبر 2019، مروراً بإجراءات ما يُعرف بـ”الانقلاب الدستوري” في عام 2021، أخذت “بلاد ثورة الياسمين” طريقاً جديداً في علاقتها مع جارتها االشرقية، الجزائر، بحيث أصبحت تونس تبدو أكثر انخراطاً في مدار النفوذ الجزائري، في مقابل ضعف استقلال قرارها على الصعيدين الداخلي والخارجي.
فقد تمكن النظام الجزائري من الدخول، بعمق، إلى المنظومة الاقتصادية التونسية، إذ قدّم قروضاً ومنحاً لتونس في مراحل تذبذبها المالي الصعب بعد تعليق العلاقات مع المؤسسات الدولية المانحة. فضلا عن ذلك، بدا التعاون الأمني والحدودي مفصلا بالقياس لصالح الجزائر، التي تبحث عن استقرار حدودها الجنوبية وممرّات العبور.
على صعيد السياسة الخارجية، بدأت تونس تحذو حذو المواقف الجزائرية، خصوصاً في ملف الصحراء حيث تغيّر اتجاه تونس من الحياد التقليدي إلى مواقف أقرب إلى الموقف الجزائري، مما أدى إلى أزمة دبلوماسية مع المغرب. كذلك، تجلّت العلاقات الثنائية والشخصية بين الرئيس قيس سعيد والرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في اتفاقيات ومشاريع مشتركة تُعزّز التنسيق بين البلدين، لكنها تقلّل هامش المناورة التونسي المستقل. فقد أصبح بإمكان الجزائر التأثير، بصورة غير مباشرة، في المسارات السياسية التونسية، داخليا وخارجيا. وبالتالي، يمكن القول إن المسار الذي تبناه قيس سعيد جعل تونس تخضع تدريجياً إلى دائرة النفوذ الجزائري، ليس بمعنى أنها أضحت “ولاية” تابعة، لكن من حيث القدرة على اتخاذ القرار والاستقلال الاستراتيجي أصبحت تونس أقل بُعداً عن تأثير الجزائر.
يطرح هذا الوضع سؤالاً حول ما إذا كانت تونس قادرة على استعادة هامشها الوطني الحر، أو ما إذا ستستمر في الدوران داخل “الفلك الجزائري”.
