الجزائر أمام مرآة الصحراء بعدما خسرت “مال قارون”: نهاية “حصان” خاسر

تبدو الجزائر اليوم وكأنها تدخل مرحلة دقيقة من تاريخها السياسي، بعد عقودٍ من الرهان على قضية الصحراء الغربية كورقة مركزية في سياستها الخارجية تجاه المغرب. هذا الرهان، الذي شكّل محورًا ثابتًا منذ سبعينات القرن الماضي، بدأ يتآكل تحت ضغط التحولات الإقليمية والدولية، وبفعل صعود المغرب كقوة دبلوماسية واقتصادية في القارة الإفريقية.
تصريحات الرئيس عبد المجيد تبون الأخيرة، التي قال فيها إن بلاده “لن تتخلى عن الصحراء لأنها كلفتها مال قارون”، كشفت عن حجم التورط المالي والسياسي في هذا الملف، وعن المأزق الذي وصلت إليه المؤسسة الحاكمة بعد عقود من الاستثمار في قضية لم تجلب سوى مزيد من العزلة الإقليمية والتوتر الدائم مع الرباط.
في المقابل، تعيش الجزائر على وقع تململ داخلي متزايد، خاصة في منطقة القبائل التي قد تشهد يوم 14 دجنبر 2025 إعلانًا رمزيًا عن استقلالها الذاتي، في خطوة وُصفت بأنها تعبير عن عمق الأزمة البنيوية في علاقة الدولة المركزية بمكوناتها الثقافية واللغوية. هذا الوضع، إذا ترافق مع تحركات مماثلة لدى الطوارق في الجنوب، فقد يضع البلاد أمام سيناريوهات تفكك غير مسبوقة في تاريخها الحديث.
لقد حكم العسكر الجزائر طويلاً، واحتكر السلطة والقرار والثروة تحت شعارات الثورة والتحرير، لكن الزمن تغيّر، والجيل الجديد لم يعد يقبل بدولة منغلقة على ذاتها ومشدودة إلى صراعات الماضي. من هنا، تبدو الجزائر اليوم مطالَبة بمراجعة خياراتها الاستراتيجية، والانتقال من منطق الصراع إلى منطق التكامل الإقليمي، ومن اقتصاد الريع إلى اقتصاد الإنتاج.
إن خسارة الجزائر لرهان الصحراء لا تعني بالضرورة نهايتها، لكنها بالتأكيد تنذر بنهاية مرحلة وبداية أخرى، قد تحدد ملامحها قدرة النخب الجزائرية على مواجهة الحقيقة، والانفتاح على المستقبل قبل أن يفوت الأوان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *