الجزائر بين كاسما والصحراء أو بين صفارة الحكم وتصويت مجلس الأمن

من ملعب مصطفى تشاكر بمدينة البليدة إلى أروقة مجلس الأمن الدولي في نيويورك، تمر الجزائر بمرحلة تشبه مباراة لم تنتهِ بعد. في الرياضة كما في التاريخ والجغرافيا، يلاحقها شبح الهزيمة الموجعة أمام الكاميرون في تصفيات مونديال قطر 2022، في المباراة التي أدراها الحكم الغامبي بكاري بابا كاسما والذي وجه له الجزائريون أصابع الاتهام بإقصاء “محاربي الصحراء” بصفارة غير عادلة. قررت السلطات، بعدها، اللجوء إلى المحكمة الرياضية أملا في معاقبة كاسما وإعادة المباراة، وسكن الوهم الجميع، باستثناء بائعيه طبعا، حتى ليلة افتتاح المونديال، لكن الأمل لم يتحقق وتبخر كطيف دخان، فبقيت الحسرة في قلوب الجزائريين كجرح مفتوح في الذاكرة الوطنية.
غير أن كاسما، الذي شاهده المدرب السابق جمال بلماضي في مطار الهواري “يلتهم ميلفاي” قبل أن يغادر الجزائر، لم يكن سوى مرآة رمزية لهزيمة أعمق، تتجاوز المستطيل الأخضر إلى ميدان السياسة والدبلوماسية. الآن، وبعد أن خفتت الأضواء عن الملاعب، واجهت الجزائر اختبارا آخر في قضية الصحراء، حيث احترقت أوراقها واحدة تلو الأخرى في مواجهة الحراك المغربي والدعم الدولي المتزايد لمقترح الحكم الذاتي.
هكذا، تجد الجزائر نفسها في عزلة غير معلنة، بعدما أدركت أن خطابها التقليدي القائم على “حق تقرير المصير” لم يعد يقنع الشركاء، لا في إفريقيا ولا في العالم. ورغم الحضور المكثف في المحافل الدولية ومحاولات إعادة تفعيل “دور الوسيط المزعوم”، فإن الزمن لم يعد زمن البيانات الثورية، بل زمن التوازنات الاقتصادية والتحالفات الذكية، وهي معركة لا تملك فيها الجزائر أدوات كافية.
الآن، تروج السلطات الجزائرية أنها لم تخسر قضية الصحراء بعد، وأنها يمكن أن تقلب النتيجة في الوقت الضائع أو الشوط الإضافي الثاني، قبل أن تكتشف أن “الله قدر ما فعل”.
بين كاسما والصحراء، تتجلى حكاية الخيبة الجزائرية الحديثة: بلد يبحث عن تاريخ مفقود، في حين تتآكل شرعية النظام “الحاضر” بين جيل غاضب يطالب بالإصلاح، ومؤسسة عسكرية تخشى التغيير. وكلما حاولت الجزائر أن تستعيد روحها عبر كرة القدم، أو عبر مواقف خارجية صارخة، تذكرها الوقائع بأن “الصفارة” مجرد أداة لا تغير النتيجة، وأن العالم لا ينتظر المتأخرين عن ركب التحولات.
وربما، في لحظة صدق نادرة، ستدرك الجزائر أن خلاصها الحقيقي لن يأتي من مباراة مع كاسما ولا من انتصار في الصحراء، بل من مصالحة مع ذاتها، ومن إعادة بناء علاقة متوازنة مع جيرانها ومع نفسها، حيث يصبح الوطن ميدانا للحياة لا ساحة للصراخ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *