هل أصبحت وكالة الأنباء الفرنسية تجامل النظام الجزائري؟

يثير المتابع لتغطية وكالة الأنباء الفرنسية (أ ف ب) للشأن الجزائري تساؤلات مشروعة حول معايير الانتقاء الإخباري، وحدود المهنية، وما إذا كانت الوكالة قد انزلقت، عن وعي أو عن غير وعي، إلى سياسة تحريرية تراعي حساسية النظام الجزائري أكثر مما تراعي حق الرأي العام في الاطلاع على الوقائع كاملة.
ففي الوقت الذي أعلنت فيه حركة تقرير المصير في القبائل “ماك” وحكومة القبائل في المنفى “أنافاد”، يوم 14 دجنبر 2025 في العاصمة الفرنسية باريس، عن الاستقلال الرسمي لـ”جمهورية القبائل الاتحادية” عن الجزائر، وهو حدث سياسي مثير للجدل وله أبعاد داخلية وإقليمية حساسة، التزمت وكالة الأنباء الفرنسية صمتا لافتا، ولم تنشر أي خبر أو قصاصة تتناول الإعلان، لا بالنفي ولا بالتحليل ولا حتى بوصفه موقفا أحاديا من طرف معارض.
في المقابل، كان آخر خبر بثته الوكالة عن الجزائر يتعلق بقرار الرئيس عبد المجيد تبون إصدار عفو رئاسي عن المؤرخ محمد الأمين بلغيث، الذي كان محكوما بالسجن بسبب تصريحات اعتُبرت ماسّة بالوحدة الوطنية والهوية الأمازيغية. خبر صيغ بلغة قانونية هادئة، ركز على قرار العفو، دون الغوص عميقا في خلفيات القضية السياسية والثقافية، ولا في التناقض الصارخ بين تجريم الخطاب المعادي للأمازيغية، وبين واقع التهميش المستمر للقضية الأمازيغية في الممارسة السياسية.
يطرح هذا التباين سؤالا جوهريا: لماذا تُغطي الوكالة أخبارا تُظهر النظام الجزائري في صورة المتسامح والحريص على الوحدة، بينما تتجاهل أخبارا قد تحرجه دوليا، أو تكشف عمق أزمته مع جزء من مكونه الهوياتي؟
هل هو حرص على “الاستقرار”؟ أم خوف من فقدان مصادر رسمية؟ أم قراءة سياسية تعتبر أن بعض الملفات “حساسة أكثر من اللازم” ولا تستحق النشر؟ أم أن الأمر يدخل في إطار مجاملة غير معلنة لنظام معروف بتوتر علاقته بالإعلام الأجنبي؟
مهما كانت الإجابة، فإن تغييب خبر بحجم إعلان استقلال القبائل، مقابل إبراز أخبار تخدم السردية الرسمية، يضع وكالة بحجم (أ ف ب) أمام اختبار مصداقية حقيقي. فالإعلام، خاصة حين يدعي الاستقلالية، لا يُقاس بما ينشر فقط، بل بما يختار عمدا ألا ينشره.
وفي حالة الجزائر، يبدو أن الصمت أحيانا أبلغ من الخبر نفسه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *